التكنولوجيا والعقار: نحو مرحلة جديدة من الاستثمار والابتكار
|
بقلم د. جورج نور اختصاصي في استراتيجيات التطوير العقاري واقتصاديات التطوير المدني / أستاذ جامعي / خبير في الشؤون العقاري. يشهد عالمنا اليوم تحوّلاً غير مسبوق، حيث لم يعد هناك قطاع بمنأى عن تأثير التكنولوجيا، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي. هذا التطوّر السريع ألغى الحواجز الجغرافية، وسهّل التعاملات، وفتح أبواباً جديدة للابتكار والاستثمار. وفي قلب هذا التحوّل، يقف القطاع العقاري أمام تحديات وفرص ضخمة، تفرض على المستثمرين والمطوّرين العقاريين إعادة التفكير في أدواتهم واستراتيجياتهم. اذا كيف غيّرت التكنولوجيا وجه العقار؟ يضيف جورج نور، لم يعد شراء العقار يتطلب زيارة ميدانية أو معاملات ورقية مرهقة. اليوم، يمكن للمشتري أن يقوم بجولة افتراضية للعقار وهو جالس في منزله، بفضل تقنيات الواقع الافتراضي. الذكاء الاصطناعي أصبح أداة أساسية لتقدير الأسعار وتحليل اتجاهات السوق، بينما توفر تقنية البلوك تشين مستوى غير مسبوق من الشفافية والأمان في العقود والمعاملات أضف الى ذلك أن منصات العقارات الرقمية باتت قادرة على إتمام الصفقة بالكامل عن بُعد، وأنظمة إدارة العقارات الذكية تتابع التشغيل والصيانة والجدولة بشكل أوتوماتيكي، مما يرفع الكفاءة ويقلّل الأخطاء. أما أنظمة إدارة علاقات العملاء اي ما يعرف بال (CRM)، فهي اليوم العامود الفقري لشركات التطوير، حيث تتابع سلوك العميل وتقدّم له عروضاً مصممة خصيصاً له، ما ينعكس على المبيعات والولاء. ويقول الدكتور نور أن التكنولوجيا وحدها لا تكفي، رغم هذا التقدّم، فإن التكنولوجيا ليست الحل السحري. لا بد من بيئة تشريعية واضحة، وبنية تحتية متطورة، وتمويل مرن يفتح المجال أمام شرائح أوسع من المستثمرين. التكنولوجيا هنا ليست بديلاً، بل أداة مكمّلة تعزّز التسويق والإدارة وتدعم النمو. حيث يواجه القطاع العقاري تحديات عديدة، مثالا في دولة الامارات العربية المتحدة و في دبي تحديدا ورغم الزخم الكبير، يواجه السوق تحديات حقيقية في عام 2025: 1. تضخم العرض وانخفاض الأسعار دخول أكثر من 210,000 وحدة سكنية جديدة بين 2025–2026 قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار بنسبة تصل إلى 15%، مما يضغط على عوائد المستثمرين. 2. تغيّر طبيعة المشترين وحساسية العملات وفرق سعر الدرهم أمام الجنيه الإسترليني جذب المستثمرين البريطانيين، لكن هذا التوجّه يعكس اعتماداً متزايداً على المشترين الأجانب، مع تراجع الطلب المحلي. 3. ارتفاع أسعار الفائدة والتوترات الاقتصادية رفع الفائدة عالمياً زاد من تكلفة القروض العقارية، بينما تؤثر اضطرابات سلاسل التوريد على تكاليف البناء والتشغيل. 4. تحوّل أنماط الطلب على السكن المتوسط في تزايد، بينما يبقى الطلب على العقارات الفاخرة قوياً، رغم نقص المعروض من الوحدات التي تتجاوز قيمتها 10 ملايين دولار. 5. التحديات القانونية والتنظيمية أكثر من 1,800 شكوى عقارية في 2024، منها 60% تتعلق بتأخير التسليم أو عيوب في البناء، ما يؤثر على ثقة المشترين. 6. السكن الميسور لذوي الدخل المحدود الحملة ضد الشقق المعدّلة بشكل غير قانوني تركت آلاف العمال في خطر، في ظل ارتفاع الإيجارات، مما يجعل السكن الآمن بعيد المنال للفئات الأقل دخلاً. رغم التحديات، تعتبر الإمارات نموذج عالمي في دمج التكنولوجيا بالعقار حيث تواصل ترسيخ مكانتها كمركز عالمي للاستثمار العقاري المدعوم بالتكنولوجيا. المبادرات الحكومية مثل مركز “PropTech” في دبي، تهدف إلى دعم أكثر من 200 شركة ناشئة وتوفير آلاف الوظائف بحلول 2030. البنية التشريعية المتطورة، والبنية التحتية الاستثنائية، وتنوّع أدوات التمويل، كلها عوامل تجعل السوق الإماراتي بيئة جاذبة للمستثمرين. أما في لبنان، فالوضع أكثر تعقيداً وهناك فرصة رغم التحديات. فالأزمة الاقتصادية والسياسية أثّرت بشدة على السوق العقاري، لكن التكنولوجيا يمكن أن تكون نافذة لإعادة بناء الثقة، وجذب الجاليات اللبنانية في الخارج، وربط السوق المحلي بالإقليمي والدولي. الاستثمار في الرقمنة والشفافية لم يعد رفاهية، بل ضرورة لإعادة إحياء القطاع. في النهاية ان القطاع العقاري اجمالا وفي دول الخليج والشرق الاوسط تحديدا لم يعد كما كان. التكنولوجيا غيّرت قواعد اللعبة، لكنها لا تعمل بمعزل عن التشريعات، التمويل، والثقة. الإمارات تمضي بثبات نحو نموذج عالمي في دمج الابتكار بالتطوير العقاري، بينما يحتاج لبنان إلى خطوات جادة لإعادة بناء الثقة. وفي كلتا الحالتين، فإن المستقبل لا ينتظر المترددين بل يفتح أبوابه لمن يملك الرؤية، ويستثمر في التغيير.
|
